.
التفسير في عصر الصحابة والتابعين
طبيعة التفسير في هذا العصر
من الممكن ان نجزم بان الظاهرة التي كانت تعم التفسير في هذه المرحلة هي مواجهة القرآن الكريم كمشكلة لغوية. ومن اجل ان نكون اكثر ادراكاً لطبيعة هذه المرحلة لا بد لنا ان نعرف ما تعنيه (المشكلة اللغوية) من معنى :
فالكلام في اللغة - وعلى الاخص اللغة العربية - تشترك في تحديد معناه عوامل مختلفة يمكن ان نلخصها بالامور التالية :
أ - الوضع اللغوي للفظ. فان كل لفظ في اللغة نجد في جانبه معنى خاصاً محدداً له.
ب - القرائن اللفظية ذات التأثير الخاص على الوضع اللغوي والتي تسبب صرف اللفظ عن معناه الحقيقي. وهذا هو الشيء الذي يحصل في الاستعمالات المجازية بما للمجاز من مدلول عام يشمل الاستعارة والكناية وغيرهما.
ج - القرائن الحالية التي يكون لها ايضاً تأثير خاص على المدلول اللفظي ونعني بها الظروف الموضوعية التي يأتي الكلام بصددها او يكون مرتبطاً بجانب من جوانبها.
فهذه العوامل الثلاثة تشترك في تكوين المدلول العام للفظ والكلام. وحين نواجه الكلام من اجل التعرف على مدلوله ونصطدم بشيء من هذه الامور الثلاثة في سبيل ذلك فنحن نواجه مشكلة لغوية.
وعلى ضوء هذا المفهوم للمشكلة اللغوية يمكننا ان نتبين طبيعة المرحلة التي مَرَّ بها الصحابة والتابعون حين واجهوا الكلام الالهي (القرآن الكريم)
{ 103 }
وحاولوا معرفة معانيه ومدلولاته. فنحن - حين نتصفح التفسير الذي وصلنا عن هذا العصر - نجد أموراً ثلاثة كانت موضع اهتمام الصحابة والتابعين من بعدهم وهي كالتالي :
أ - التعرف على ما تعنيه المفردات القرآنية من معنى في اللغة العربية مع مقارنة الكلام القرآني بالكلام العربي لتحديد الاستعارة القرآنية..
ب - تتبع اسباب النزول والحوادث التاريخية او القضايا التي ارتبطت ببعض الآيات القرآنية.
ج - التفصيلات التي اوردتها النصوص الاسرائيلية عن قصص الانبياء او غيرها من الحوادث التي اشار اليها القرآن الكريم.
وهذه الامور الثلاثة لها علاقة وثيقة في تحديد المعنى من ناحية لغوية لانها تنتهي بالنسب الى العوامل المؤثرة في تكوين مدلول اللفظ والكلام
فإن للتفسير في عصر الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم مدارس متعددة ، ولكل مدرسة خصائصها ، ومميزاتها وأساتذتها ، وطلابها ، ونذكر بيانها بالتفصيل إن شاء الله
(1 ). مدرسة الحجاز:
ويعبر عن مدرسة الحجاز بمدرستي (مكة والمدينة) في كثير من المؤلفات.

أ . مدرسة مكة :
• أستاذ مدرسة مكة وأشهر تلاميذه:
أستاذها سيدنا عبدالله بن عباس ، وكان من شيوخه (سيدنا عمر بن الخطاب وأبي بن كعب وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة ).
وأشهر تلاميذه وهم من التابعين: مجاهد وعكرمة وطاوس وعطاء وسعيد بن جبير .

ب. مدرسة المدينة:
• أستاذ مدرسة المدينة وأشهر تلاميذه:
أستاذها سيدنا أُبَيِّ بن كعب الذي كانت له الشهرة أكثر من غيره من الصحابة رضي الله عنهم .
ومن أشهر تلاميذه: زيد بن أسلم ، وأبو العالية ، ومحمد بن كعب القرظي ، وهؤلاء منهم من أخذ عن سيدنا أُبَيٍّ مباشرة ومنهم من أخذ عنه بالواسطة

مزايا المدرسة الحجازية :
ومما تتسم به هذه المدرسة أن المنهج يقوم على التمسك بظاهر النصوص مع شيء من التأويل واعتناق الكتاب والسنة والاحتكام إليهما عند وجود النص وإلا فالاجتهاد .
كما اتسم منهجها بالواقعية والتحليل والتقسيم
ثانياً: مدرسة العراق:
أ. مدرسة البصرة :
وقد تلقى رجال هذه المدرسة من مصدرين رئيسيين هما :
الأول: من البصرة : وكان على يد أبي موسى الأشعري ( رضي الله عنه) .
الثاني: عن طريق مدرسة المدينة : حيث رحل إليها سيدنا أنس بن مالك ، والحسن البصري، وابن سيرين بعد أن كانوا في المدينة، كما يتم بواسطة رحيل طلاب العلم إلى المدينة ليأخذوا عن علمائها ثم يعودوا إلى موطنهم فينشروا ما تعلموه.
وفي كلا المصدرين مدرسة المدينة هي صاحبة هذا الفضل على تلاميذ البصرة.
أستاذ مدرسة البصرة وأشهر تلاميذه:
أستاذها الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس ، وأشهر تلاميذه الحسن البصري وقتادة وابن سيرين .
ب. مدرسة الكوفة:
• أستاذ مدرسة الكوفة وأشهر تلاميذه :
أستاذها سيدنا عبدالله بن مسعود .
وأشهر تلاميذه علقمة بن قيس ، ومسروق ، ومرة الهمداني ، وعامر الشعبي والحارث بن قيس ، وعمرو بن شرحبيل ، وعبيدة والأسود
مزايا مدرسة العراق:
من مزايا مدرسة العراق - الكوفة والبصرة - طريقتها الإكثار من تفسير القرآن بالرأي والاجتهاد ، وذلك لأسباب ثلاثة:
الأول: تأثير سيدنا عبدالله بن مسعود فيهم الذي يعتد بالرأي حيث لا نص .
الثاني: أن الحديث كان في العراق قليلاً وكان أكثر رواة الحديث في الحجاز ؛ لأنه موطن النبي صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة .
الثالث: أن العراق بلد متمدن تأثر إلى درجة كبيرة بالمدنية الفارسية واليونانية .
مميزات مدرسة الرأي:
1. كثرة تفريعهم الفروع .
2. قلة روايتهم للحديث ، واشتراطهم فيما يؤخذ به من الحديث شروطاً لا يسلم معها إلا القليل .
ثالثاً: مدرسة الشام :
• أستاذ مدرسة الشام وأشهر تلاميذه:
أستاذها الصحابي الجليل أبو الدرداء : عويمر بن عامر رضي الله عنه على اختلاف في اسمه واسم أبيه ، وأشهر تلاميذه: أبو إدريس الخولاني، وعلقمة بن قيس ، وسويد بن غفلة وجبير بن نفير ، وزيد بن وهب.
مزايا مدرسة الشام :
السمة العامة لهذه المدرسة هو الالتزام بالكتاب والسنة دون الخروج عنهما بالعقل .
رابعاً: مدرسة مصر:
• أستاذ مدرسة مصر وأشهر تلاميذه:
أستاذها الصحابي الجليل : عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، وأشهر تلاميذه: يزيد ابن أبي حبيب.
خامساً: مدرسة اليمن :
وأستاذاها الأكبران ، معاذ بن جبل ، إمام العلماء ، وأبو موسى الأشعري ، زينة القراء ، وممن تخرج عليهما :
أ - طاووس بن كيسان : شيخ أهل اليمن ، كان كثير الحج ، مات بمكة سنة ست ومائة .
ب - وهب بن منبه الصنعاني : وقد روى عنه في التفسير روايات كثيرة جدًا مما في كتب أهل الكتاب ، وكان ثقة ، توفي سنة أربع عشرة ومائة
مزايا مدرسة اليمن: من مزايا هذه المدرسة تفسير القرآن بالمأثور .
الترابط بين هذه المدارس :
ولعلك تلحظ قوة الترابط بين هذه المدارس من كون أساتذتها كلهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذوا عنه ، وأن أستاذ مدرسة مكة سيدنا عبدالله بن عباس كان أحد شيوخه أستاذ مدرسة المدينة سيدنا أبي بن كعب ، والفضل الأول والأخير على مدرسة البصرة إنما يعود لمدرسة المدينة ، وأيضاً سيدنا عبدالله بن عباس أستاذ مدرسة مكة قبل أن يأتي إلى الحجاز كان في البصرة حيث غادرها إلى الحجاز سنة 40 هـ .

من خلال تتبعنا لمواقف أهل السنة من التفاسير والمناهج المتبعة فيها، ومن خلال مناقشتهم للأفكار الواردة فيها ، يمكننا القول إن أهل السنة يرون أن مناهج التفسير يمكن حصرها في منهجين :
1- التفسير المأثور وهو الذي له أصل في الدين .
2- التفسير على المذهب وهو الذي لا أصل له في الدين ، وينقسم إلى قسمين :
أ- التفسير بالرأي أو المنهج العقلي في التفسير .
ب- التفسير الصوفي أو الإشاري .
ولعلنا نتساءل عن الاعتبارات التي تبنوها في تصنيفهم هذا، والواقع أن هذا التصنيف ليس اعتباطيا ، بل هو نتاج دراسة نقدية تحليلية لعدة تفاسير ، ولمفسرين من مختلف الإتجاهات والفرق التي عرفها تاريخ الفكر الإسلامي . وقد مكنتهم هذه الدراسة الموضوعية المتأنية - خاصة ما قام به ابن تيمية في "مقدمة في أصول التفسير "، وفي "فتاويه" - من الوقوف على الأسس العلمية ، والقواعد المنهجية التي يتعين علينا اعتمادها عند محاولة تصنيف مناهج التفسير. وهذا المجهود العلمي الجبار يدل على ما يتمتع به منهج أهل السنة في البحث من قواعد منهجية تجريبية، تعتمد الوصف والتحليل، والمقارنة والإستنباط . وهي التي مكنتهم من التوصيف العلمي لمناهج التفسير.
ويمكننا أن نحدد هذه الأسس والقواعد في مايلي :
1- الأدوات المعرفية الموظفة في التفسير ، وهذا يعطينا التصنيف التالي لمناهج التفسير.
أ- التفسير المأثور وهو الذي يعتمد النقل وحده. ولا جهد للمفسر فيه إلا جمع الروايات وتنظيمها، من غير بذل أي مجهود عقلي.
ب- التفسير العقلي وهو الذي يعتمد العقل ويركز عليه، ويجعله حجة يحسن ما حسنه ويقبح ما قبحه، ويقاس عليه ولا يقاس على غيره. وهذا نجده في تفاسير الفلاسفة وبعض الفرق الكلامية.
ح- التفسير الصوفي : وهو الذي يعتمد على الوجد والذوق كأداة رئيسية بل وحيدة في المعرفة الحقة والكاملة .
2- النظر إلى طبيعة التفاسير : وذلك بغض النظر عن الأدوات المعرفية الموظفة في التفسير ، أو الأصول التي يقوم عليها، أو الأهداف والمقاصد التي يرمي إليها ، بحيث يكون هم الباحث جمع التفاسير ذات المجال العلمي الواحد في خانة واحدة، ومن ثم يمكن تقسيم التفاسير إلى مدارس تفسيرية متميزة نحو :
أ- المدرسة البيانية .
ب- المدرسة الفقهية .
ح- المدرسة الكلامية .
د- المدرسة الفلسفية .
ه- المدرسة الصوفية.